لم يكن أهالي القرية الوادعة التي تحتضنها جبال القدس الشريف يعلمون أن شمس التاسع من نيسان التي أشرقت على القرية ستغيب ومعها أرواح العشرات من أبنائها على يد جماعات الإرهاب الصهيوني.
ولم تكن مذبحة دير ياسين إلا صورة مؤلمة من صور النكبة التي كشفت عن قبح الوجه الاستيطاني لليهود.
منقولللفائدة
دير ياسين بين الموقع والجريمة
ودير ياسين هي قرية عربية تقع على ربوة عالية غربي مدينة القدس، وعلى بعد أربعة كيلومترات منها، وتحيط مستوطنات القرية من جهاتها الثلاثة: " جفعات شاؤول "، "بيت فاجات " ، " وافانون " ، " وفنتمنيوري".
وتُعَدُّ " جفعات شاؤول " من أقدم المستوطنات وأكثرها سكانًا وأشدها إجرامًا، فقد كانت تدرب شبابها على خوض المعارك واستعمال الأسلحة الحديثة تحت إشراف الضابط الإنجليزي "هوفر"، في حين كانت سلطات الانتداب البريطاني تقضي بإعدام كل عربي وجدت لديه رصاصة حتى في حديقة بيته.
وفي التاسع من نيسان 1948م أنشبت الصهيونية أظفارها المسمومة في أهالي قرية دير ياسين، حيث تعرضت القرية لهجوم من قبل عصابتين صهيونيتين متطرفتين هما: "الاتسل" و" الليحي"، واتَّجهت مصفحاتها نحو القرية تصُبُّ نيرانها على أهلها الذين قاموا بدورهم بإطلاق الرصاص على المحتلين استمر حتى السادسة والنصف صباحاً، فكان المناضلون من أهل القرية يشكلون قوة لا يستهان بها لحماية النساء والأطفال والشيوخ والجرحى في القرية.
ولم يتمكن حراس الخطوط الأمامية في القرية من الصمود أمام هذه الحشود الآثمة، فانسحبوا إلى مواقع دفاعية جديدة بعد أن استشهد منهم عيسى عيد، سليم محمد إسماعيل، محمد أسعد، وموسى زهران.
وكافح أبناء القرية كفاح الأبطال حتى العزَّل منهم، والنساء كن يدفعن بفلذات أكبادهن وبعولتهن إلى المعركة، ونلن شرف الشهادة ووقفن جنباً إلى جنب مع الرجل في المعركة، ومن بين الشهيدات المناضلات حلوة زيدان التي فضلت البقاء في أرضها وبلدها على مغادرة القرية، وبعد أن استشهد زوجها في المذبحة في سبيل وطنه دفعت ابنها ليكمل ما بدأه أبوه، لكن استشهد هو الآخر، فلم تجد المناضلة إلا نفسها لتحمل السلاح وتخوض المعركة بكل ضراوة وبأس، إلى أن وافها أجلها برصاص الغادرين. ولم تكن حلوة زيدان هي الوحيدة، فكثيرات غيرها كن ممن شابَهْنَها في الجراءة والإخلاص مثل زينب سمور، حياة البلبيسي، وجميلة صلاح، وغيرهن الكثيرات اللواتي خضن المعركة وكن المساهمات في تقديم الذخيرة والعتاد وإسعاف الجرحى. ولم تكن دير ياسين بحاجة إلى ذلك الهجوم الكبير الذي قامت به عصابات الاحتلال لتنفيذ " الحمَّام الدموي " حسب وصف قادتهم للعملية الإجرامية، وإنما كان جزءاً من خطة شاملة تهدف إلى تحطيم المقاومة العربية الفلسطينية عسكريًّا، وإخلاء العرب من مدنهم وقراهم بإثارة الرعب والفزع في صفوفهم سياسيًّا، وهكذا تمت الخطة والسيطرة على مذبحة دير ياسين، وقتل عدد كبير من أهالي القرية قبل تمكنهم من النجاة من المذبحة. وزاد عدد الشهداء على المائة والعشرين حسب مصادر مركز الوثائق والأبحاث في جامعة بير زيت، وبلغ عدد سكان أهالي قرية دير ياسين عشية المجزرة عام 1948م أكثر من 750 نسمة وفق إحصائيات الانتداب البريطاني.
الاحتلال يتعرف بجريمته
وصرح (بن غوريون) في كانون أول عام 1948م "إن الانتصارات الأخيرة هي إحدى المقدمات لأهداف إسرائيل البعيدة، فاستعدوا للوصول إلى الهدف النهائي في بناء الدولة اليهودية وجلب يهود العالم جميعًا" وقد كان يقصد بهذه الأهداف هل المجازر التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني بل ويدعوهم أيضا لاستمرار هذه المجازر لأنها هي السبيل لتحقيق حلمهم المنشود في إقامة دولتهم !!! .
هذا هو حلم الصهيونية ومجازرها وآثامها… ومسؤولية المأساة الفلسطينية تقع على رأس اليهود أولاً، وعلى رأس الحكومة البريطانية التي مهدت لليهود اغتصاب فلسطين وإقامة دولتهم على أرضها.
وليس أدل على ذلك من قول (مناحيم بيغن): " ما وقع في دير ياسين وما أذيع عنها ساعدا على تعبيد الطريق لنا لكسب الظفر في معارك حاسمة في ساحة القتال، وساعدت أسطورة دير ياسين بصورة خاصة على إنقاذ طبريا وغزو حيفا".
إن مذبحة دير ياسين هي واحدة في مسلسل المجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية لتثبت ادعاءها الكاذب بأن فلسطين أرض دون شعب لشعب دون أرض.